فصل: وَجَائزٌ في الدَّارِ أنْ يُسْتَثْنَى *** سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَقِيلَ بالجَوَازِ مَهْمَا اتّفَقَا *** في وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا

أصلاً كان أو غيره وهو مستغنى منه لأن الكلام في غير الأصول كما هو موضوعه، قال ابن سلمون‏:‏ ولا يجوز للبائع أن يشترط على المشتري أن تبقى الدابة رهناً بيده في الثمن إلى أجله، وكذلك لا يجوز في سائر الحيوان والعروض والبيع على ذلك مفسوخ روى ذلك ابن وهب عن مالك في الحيوان‏.‏ وقاله ابن القاسم في العروض‏.‏ قال ابن رشد‏:‏ وذلك جائز في الأصول كلها لأنه يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل قال‏:‏ فإن وضعت هذه الأشياء التي لا يجوز ارتهانها عند بيعها على يد عدل كان ذلك جائزاً، وقيل‏:‏ إنه لا يجوز أن يبيع الرجل شيئاً من الأشياء على أن يكون رهناً بحقه إلى أجل وإن وضع ذلك بيد عدل، وهو قول أصبغ‏.‏ ورواه عن أشهب وسماع سحنون اه‏.‏

قلت‏:‏ قد علمت مما مرّ في أول الفصل أن إبقاء المبيع رهناً في الثمن لأجله هو من بيع معين يتأخر قبضه وتقدم هناك تحصيله وعليه فيفصل في الأجل، فإن كان يتغير المبيع إليه غالباً كما لو زاد على الشهر في الحيوان وعلى ثلاثة أيام في العروض وعلى العشر سنين في الأرض ونحوها، فيمنع ذلك ويفسخ معه البيع وهو مراد الناظم وغيره ههنا وإن كان المبيع لا يتغير إلى ذلك الأجل غالباً كما لو قصر الأجل عن تلك الحدود جاز إبقائه رهناً إذ لا غرر في ذلك، وإذا تقرر هذا فظاهر رواية ابن وهب في الحيوان، وقول ابن القاسم في العروض أن ذلك لا يجوز يعني للأجل الذي يتغيران إليه كان بيد عدل أو عند البائع وهو المعتمد لأنه غرر، وقول ابن رشد يجوز ذلك إن وضعت تحت يد عدل لا يجري على ما تقدم لأن الأجل الذي يتغير إليه المبيع لا يجوز على الراجح، ولو وضع بيد عدل، ولا يحمل كلامه على الأجل الجائز لأن الجائز يجوز اشتراطه ولو بقي بيد البائع‏.‏ وقوله في الأصول لأنه يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل الخ‏.‏ يعني الأجل الذي لا تتغير إليه كالعشر، والكلام إنما هو فيما يتغير إليه كالعشرين، وحينئذ فكان على الناظم أن لا يتبعه في الوضع عند أمين وأن لا يستثني الأصول، وأن يقتصر على صريح القول الآخر في كلام ابن سلمون من أن ذلك لا يجوز في الأصول وغيرها لأن النكرة في سياق النفي تعم، ولأن الأجل في كلامهم محمول على ما يتغير المبيع إليه غالباً وذلك يختلف باختلاف المبيع فلو قال‏:‏

وشرط إبقاء المبيع مرتهن *** لأجل بعطب فيه فامنعن

لوفى بما مر‏.‏

وَجَائزٌ في الدَّارِ أنْ يُسْتَثْنَى *** سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى

‏(‏وجائز في الدار‏)‏ أن تباع إلى أجل بل ولو نقداً ونقد بالفعل كما في ‏(‏ق‏)‏ عن سماع يحيى ‏(‏ان يستثنى‏)‏ بضم الياء مبنياً للمفعول ‏(‏سكنى بها‏)‏ مدة لا تتغير فيها غالباً ‏(‏ كسنة أو أدنى‏)‏ أو أكثر كسنتين وقيل غير ذلك‏.‏ قال في ضيح‏:‏ والخلاف خلاف في حال فإن كانت المدة لا تتغير فيها غالباً جاز انتهى‏.‏ ونحوه في ‏(‏ق‏)‏ عن المدونة فالتحديد بالسنة في النظم و‏(‏خ‏)‏ غير معتمد كما مرّ في أول الفصل‏.‏ ابن سلمون‏:‏ فإن التزم المشتري أن لا يبيعها حتى ينصف البائع من الثمن، ومتى فعل ذلك فقد حل عليه الثمن فلا يجوز ذلك إلا أن يكون طوعاً بعد العقد، ثم قال‏:‏ فإن اختلفا فقال البائع‏:‏ وقع طوعاً‏.‏ وقال المشتري‏:‏ بل شرطاً في العقد فالقول قول مدعي الشرط إن كان يدعي الفساد لأنه العرف اه‏.‏

تنبيه‏:‏

فإن انهدمت الدار فضمانها في مدة الاستثناء الجائز من المشتري ولا رجوع للبائع على المبتاع بما اشترطه من السكنى في قول ابن القاسم إلا أن يبيعها المبتاع في أثناء المدة الجائزة فلا يخرج منها البائع حتى يستوفي مدته‏.‏ وأما إن تهدمت في استثناء المدة الغير الجائزة فضمانها من البائع إلا أن تنهدم بعد أن قبضها المشتري، ولو قبل انقضاء مدة الاستثناء فضمانها منه لأنه بيع فاسد يضمن بالقبض‏.‏ ولما قدم في قوله‏:‏ وآبر من زرع أو من شجر‏.‏ حكم من اشترى أرضاً فيها زرع في عقد واحد أو شجر فيها ثمر، كذلك أشار هنا إلى ما إذا اشترى الأرض وحدها ثم اشترى زرعها أو الشجر وحدها ثم ثمرها فقال‏:‏

وَمُشْتَرِي الأصْلِ شِرَاؤُهُ الثَّمرْ *** قَبْلَ الصَّلاح جائِزٌ فيما اشْتَهَرْ

‏(‏ومشتري الأصل‏)‏ ووجد فيه ثمر مؤبر لم يشترطه وبقي لبائعه ‏(‏شراؤه‏)‏ ذلك ‏(‏الثمر‏)‏ المؤبر بعد ذلك ‏(‏قبل‏)‏ بدو ‏(‏الصلاح‏)‏ فيها ‏(‏جائز‏)‏ مطلقاً قرب ما بين العقد على الأصل والثمار أم لا‏.‏ ‏(‏فيما اشتهر‏)‏ من أقوال ثلاثة‏.‏ ثانيها‏:‏ المنع مطلقاً‏.‏ ثالثها‏:‏ يجوز إذا قرب ما بين العقدين كالعشرين يوماً لا فيما بعد‏.‏

والزَّرْعُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الشَّجَرِ *** ولا رُجُوعَ إنْ تُصِبْ لِلْمُشْتَرِي

‏(‏فالزرع‏)‏ المؤبر الذي لم يشترطه المبتاع عند شراء أرضه يجري ‏(‏في‏)‏ جواز شرائه منه بعد ‏(‏ذلك مثل‏)‏ ما جرى في شراء ثمر ‏(‏الشجر‏)‏ بعد شرائها وحدها من جريان الأقوال المذكورة ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وصح بيع ثمر ونحوه بدا صلاحه وقبله مع أصله أو ألحق به الخ‏.‏ فقوله‏:‏ مع أصله هو ما تقدم للناظم في قوله‏:‏ إلا بشرط المشتري‏.‏ وقوله‏:‏ أو ألحق به هو ما ذكره الناظم ههنا، فكل منهما تكلم على الصورتين رحمهما الله، ووجهه في الأولى أنهما تبع للأصل، وفي الثانية أن اللاحق للعقد كالواقع فيه، وفهم منهما أنه لو اشترى الزرع أو الثمر قبل بدوه أولاً ثم اشترى الأرض والشجر لم يجز وهو كذلك، وإذا أجيحت الثمرة المشتراة مع الأصل أو التي ألحقت به فلا قيام له بالجائحة كما قال‏:‏ ‏(‏ولا رجوع أن تصب‏)‏ بضم التاء وفتح الصاد مبنياً للمفعول ونائبه ضمير الثمر ومتعلقه محذوف أي بالجائحة ‏(‏للمشتري‏)‏ خبر لا وعلل عدم الرجوع بالجائحة فيها لأنها تبع للأصل، وما كان تبعاً لا جائحة فيه‏.‏ وفي طرر ابن عات عن ابن محرز أن الجائحة لم تسقط هنا عن البائع لأجل أن الثمرة تبع للمبيع، وقول من قال ذلك فاسد ويدل على ذلك أنه لو اشترى ثمرة ومعها عروض كثيرة فكانت الثمرة تبعاً لجميع الصفقة لكانت فيها الجائحة، وإنما سقطت الجائحة هنا لانقطاع السقي عن البائع، ويدل على ذلك أن الثمرة لو بيعت وحدها وقد استغنت عن السقي لم يكن فيها جائحة اه‏.‏

وَبَيْعُ مِلْكٍ غَابَ جَازَ بِالصِّفَهْ *** أَوْ رُؤْيَةٍ تَقَدَمَتْ أَوْ مَعْرِفَهْ

‏(‏وبيع ملك‏)‏ بكسر الميم وضمها الشيء المملوك عقاراً كان أو غيره إلا أنه لا يستعمل بالضم إلا في مواضع الكثرة وسعة السلطان يقال لفلان ملك عظيم أي مملوك كبير قاله أبو البقاء في إعراب القرآن ‏(‏غاب‏)‏ عن مجلس العقد أو البلد كما هو ظاهره ولم يبعد جداً كخراسان من إفريقية ‏(‏جاز‏)‏ بيعه على اللزوم ‏(‏بالصفة‏)‏ الكاشفة لأحواله ككونه إن كان أرضاً قريباً من الماء أو بعيداً، وكون أرضه مستوية أو معلقة ذات حجارة أو دونها قريبة من العمارة أو بعيدة عنها وإن أذرعها، كذا وأن مساحة الدار إن كان داراً كذا وكذا ذراعاً وأن طولها كذا وعرضها كذا، وطول بيتها القبلي كذا وعرضه كذا وعلوه كذا، وبناؤها بالحجارة أو الآجر أو طابية وأن لون الحيوان إن كان حيواناً كذا وسنه كذا، وهكذا حتى يأتي على جميع الأوصاف التي تختلف بها الأغراض في السلم لأن بيع الغائب مقيس على السلم، وسواء كان الوصف من غير البائع أو من البائع كما هو ظاهره أيضاً، لكن لا يجوز النقد فيه بوصف البائع ربعاً كان أو غيره‏.‏ ‏(‏أو‏)‏ ب ‏(‏رؤية تقدمت‏)‏ قبل عقد البيع بحيث لا يتغير بعدها ولم يبعد جداً كما في ‏(‏ز‏)‏‏.‏ ‏(‏أو معرفة‏)‏ من عطف العام على الخاص وكأنه أراد بالرؤية مرة أو مرتين وبالمعرفة ما هو أكثر، فإن كان يتغير بعدها قطعاً أو شكاً أو بعدت مسافته جداً كخراسان من إفريقية لم يجز بيعه باللزوم استناداً للرؤية السابقة‏.‏ نعم يجوز بيعه على خياره بالرؤية‏.‏

واعلم أن بيع الغائب لا يخلو من ثلاثة أوجه‏:‏ إما أن يكون على الخيار بالرؤية أو على الصفة باللزوم أو على رؤية سابقة، فالقسم الأول لم يتعرض له الناظم لأنه على خيار المشتري فالبيع لازم للبائع منحل من جهة المشتري فله أن يرجع قبل الرؤية وبعدها كما في النقل قاله ‏(‏ز‏)‏ ولا يشترط فيه وصف ولا رؤية سابقة ولا عدم البعد جداً‏.‏ وأما القسم الثاني، وهو ما بيع على الصفة باللزوم فيشترط فيه عدم البعد جداً كما مر ولا يشترط فيه الغيبة عن البلد، بل عن المجلس فقط على المعتمد كان حاضراً بالبلد أو على مسافة عشرة أيام أو على أكثر مما لم يبعد جداً، وسواء وصفه للبائع أو غيره كما مرّ‏.‏ نعم إذا كان حاضراً مجلس العقد فلا بد من رؤيته ولا تكفي فيه الصفة إلا إذا كان في فتحه مشقة كعدل البرنامج الذي يشق فتحه وشده أو فساد كقلل الخل المطينة‏.‏ وأما القسم الثالث، وهو ما بيع على رؤية سابقة فيشترط أن لا يتغير من وقت الرؤية لوقت العقد وأن لا يبعد جداً كما مر ويظهر لي أن عدم التغير بعدها يغني عن البعد جداً لأنه يلزم من البعد جداً تغيره تحقيقاً أو شكاً فتأمله‏.‏ ولا يشترط فيه غيبته عن المجلس، بل يجوز ولو حاضراً بالمجلس، وبهذا تعلم أن الناظم أخل بقيد عدم البعد جداً في القسمين الأخيرين معاً على ما فيه ويقيد عدم التغير في الرؤية السابقة‏.‏

وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي المَشْهُورِ *** وَمُشتَرٍ يَضْمَنُ لِلْجُمْهُورِ

‏(‏وجاز شرط النقد في‏)‏ العقار المبيع على اللزوم برؤية سابقة أو بوصف غير البائع وإن بعد لا جداً، وأما بوصف البائع فلا يجوز النقد فيه ولو تطوعاً على ‏(‏المشهور‏)‏ خلافاً لأشهب في منعه اشتراط النقد فيه مع البعد لا جداً، وسواء على المشهور بيع العقار جزافاً أو مذارعة لأن المقصود من الذرع في العقار إنما هو وصفه وتحديده كما مرّ قاله طفي، وكذا لا يجوز شرط النقد في المبيع غائباً غير العقار إن قرب كاليومين كما في ‏(‏خ‏)‏‏.‏

‏(‏تنبيهان‏:‏

الأول‏)‏‏:‏ إذا اجتمع البيع بوصف أو برؤية سابقة مع الخيار بالرؤية فالحكم للخيار بالرؤية‏.‏

الثاني‏:‏ ضمان المبيع غير العقار من البائع في الأقسام الثلاثة حتى يقبضه المشتري، فإذا هلك قبل القبض في البيع على رؤية سابقة فضمانه من بائعه، وإذا تغير وتنازعا فقال البائع‏:‏ هذه الصفة التي هو عليها الآن أي وقت القبض هي الصفة التي كان عليها وقت رؤيتك إياه، وقال المشتري‏:‏ بل تغير عن الصفة التي كان عليها وقت الرؤية فالقول للبائع، وأما العقار فضمانه من المشتري كما قال‏:‏

‏(‏ومشتر‏)‏ عقاراً غائباً برؤية سابقة أو بوصف ‏(‏يضمن‏)‏ ما هلك منه قبل قبضه حيث تحقق أن العقد أدركه سالماً ‏(‏للجمهور‏)‏ وهو ما حكاه الناس عن مالك أولاً وأنه كان يقول الضمان من المشتري إلا أن يشترطه على البائع، ثم رجع إلى العكس وأنه من البائع إلا أن يشترطه على المشتري، وفي ‏(‏ق‏)‏ لم يختلف قول مالك في الرباع والدور والأرضين والعقار أن ضمانها من المبتاع من يوم العقد وإن بعدت، وقولي حيث تحقق أن العقد أدركه سالماً أي بإقرارهما أو بقيام البينة احترازاً مما إذا تنازعا فقال المشتري‏:‏ أدركته الصفقة معيباً‏.‏ وقال البائع‏:‏ بل سالماً، فإن القول للمشتري في المبيع على صفة وللبائع في المبيع على رؤية سابقة كما مرّ‏.‏ فإن قلت‏:‏ ما الفرق بينهما‏؟‏ قلت‏:‏ قال في ضيح‏:‏ الفرق بينهما أن البيع في مسألة الرؤية معلق على بقاء صفة المبيع الذي رآه عليها والأصل بقاؤها، فمن ادعى الانتقال منهما فهو مدع وهو المشتري بخلاف البيع على الصفة، فإن الأصل عدم وجود تلك الصفة وهو الموافق لقول المشتري‏.‏

والأَجْنَبِيُّ جَائزٌ مِنْهُ الشَرَا *** مَلتزِمَ العُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى

‏(‏والأجنبي جائز منه الشرا‏)‏ ء لغيره حال كونه ‏(‏ملتزم العهدة فيما يشترى‏)‏ قال الشارح ما حاصله‏:‏ لفظ الشراء محتمل لمعناه المتبادر منه عرفاً، والمعنى عليه أنه يجوز للرجال أن ينوب عن غيره في شراء دابة ونحوها ويلتزم له عهدة العيب والاستحقاق، وأنه إن حصل أحدهما غرم له الثمن، ويحتمل لأن يكون بمعنى البيع على حد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وشروه بثمن بخس‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 20‏)‏ أي باعوه، والمعنى عليه أن الأجنبي يجوز البيع منه حيث اشترى لغيره حالة كونه ملتزم عهدة العيب والاستحقاق فيما يشتريه لذلك الغير، وأنه إن حصل عيب أو استحقاق غرم له الثمن أيضاً، وقد علمت منه أن مآل الاحتمالين واحد وأن الأجنبي مشتر على كل حال، وإنما تغاير الاحتمالان عنده من جهة أن الشراء في كلام الناظم هل هو بمعناه العرفي فيجوز للأجنبي أن يشتري لغيره دابة مثلاً ملتزماً العهدة له، أو بمعنى البيع فيجوز لشخص أن يبيع من الأجنبي دابة يشتريها لغيره ملتزماً العهدة له أيضاً فجاء الاحتمالان باعتبار متعلق الجواز وذلك باختلاف معنى الشراء في النظم، وهذا قليل الجدوى والصواب أن يقال‏:‏ أن كلاًّ من المتعاقدين بائع لما خرج من يده مشتر لما بيد غيره كما تقدم أول الباب، فالأجنبي حينئذ بائع مشتر فتارة يلتزم العهدة لمن اشترى له وتارة يلتزمها لمن اشترى منه، فالأجنبي النائب عن غيره إذا اشترى مثلاً دابة من عمرو لخالد بثوب أو دراهم فهو بائع للثوب أو الدراهم مشتر للدابة، فتارة يلتزم العهدة في الدابة للذي اشترى له وهو خالد، وتارة يلتزم العهدة في الثوب أو الدراهم للذي اشتراهما منه وهو عمرو، وسواء حينئذ حملنا الشراء في النظم على معناه العرفي أو على البيع‏.‏ ولذا بنى الناظم يشترى للمفعول ليشمل ما إذا التزم العهدة فيما يشتريه للغير أو فيما يشتريه الغير منه كما ترى، وسواء التزم في هذا الثاني العهدة ابتداء أو انتهاء كما إذا لم يعلم المشتري منه بأنه وكيل في البيع عن غيره، ثم أثبت أنه وكيل فإن المشتري يخير في الرد أو التماسك لأن من حجته أن يقول‏:‏ إنما اشتريت على أن تكون عهدتي على متولي البيع، ولا أرضى أن تكون على المنوب عنه لعسره وقلة ذات يده أو لدده، فإذا رضي الوكيل بأن تكون العهدة عليه سقط الخيار ولزم البيع للمشتري، وهذا هو المراد بالالتزام انتهاء، وإنما قلنا ثم أثبت أنه وكيل الخ‏.‏ احترازاً مما إذا لم يثبت ذلك فإن العهدة لا تنتفي عنه ولا يثبت الخيار لأنه يتهم أن يكون هو المالك، ولكنه ندم في البيع فادعى أنه نائب فيه عن غيره، لعل المشتري لا يرضاه ويفسخ البيع فكلام الناظم شامل لهذا كله إلا أنه أطلق الجواز على حقيقته وذلك في الالتزام ابتداء وعلى مجازه وذلك في الالتزام انتهاء لأن الجواز فيه بمعنى اللزوم، والله أعلم‏.‏

تنبيه‏:‏

التزام الأجنبي للعهدة المذكورة هو من ضمان درك العيب والاستحقاق أي ضمان ما يترتب عليهما وهو جائز كما تقدم أول باب الضمان، والله تعالى أعلم‏.‏

فصل في بيع العروض

جمع عرض وهو في الاصطلاح ما عدا العين والطعام من الأشياء كلها، والناظم أراد به هنا ما عدا الأمور الخمسة المذكورة في قوله‏:‏ ما يستجاز بيعه أقسام الخ‏.‏ ولذا قال‏:‏ ‏(‏من الثياب وسائر السلع‏)‏، بيان لما قبله‏:‏

بَيْعُ العُروضِ بالعُرُوضِ إنْ قُصِدْ *** تَعاوُضٌ وَحُكْمُهُ بَعْدُ يَرِدْ

‏(‏بيع العروض بالعروض‏)‏ مبتدأ ‏(‏إن قصد‏)‏ شرط حذف جوابه للدلالة عليه ‏(‏تعاوض‏)‏ خبر المبتدأ وهذا هو المختار في مثل هذا التركيب كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإنا إن شاء الله لمهتدون‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 70‏)‏ ويجوز أن يكون تعاوض خبراً لمبتدأ محذوف جواب الشرط أي‏:‏ فهو تعاوض، والجملة من الشرط وجوابه خبر المبتدأ‏.‏ وعليه اقتصر اليزناسني‏.‏ ‏(‏ وحكمه بعد يرد‏)‏ وحاصل صوره ثمانية لأن العرض بالعرض إما يداً بيد وإما أن يتأخر أحدهما، وفي كل إما أن يكونا واحداً بواحد أو بأكثر، وفي كل إما أن يكونا من جنس واحد أو من جنسين‏.‏

فإنْ يَكُنْ مَبيعُهَا يَداً بِيَدْ *** فإنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ

‏(‏فإن يكن مبيعها‏)‏ أي العروض ‏(‏يداً بيد، فإن ذاك جائز‏)‏ مع اتحاد الجنس واختلافه والتماثل والتفاضل ‏(‏كيف انعقد‏)‏ فإن كان واحداً بواحد كثوب هروي بهروي أو مروي بمروي أو واحد بمتعدد كهروي بمرويين فأكثر أو مرويين فأكثر، وهذه أربع صور، ومفهوم قوله‏:‏ يداً بيد صورتان إحداهما أن يكونا مؤجلين معاً وفيهما أربع صور زيادة على الثمان المتقدمة، ولم يتعرض لها الناظم‏.‏ وليس فيها إلا المنع لابتداء الدين بالدين، والثانية أن يعجل أحدهما ويؤجل الآخر وهو ما أشار إليه بقوله‏:‏

وَإنْ يَكُنْ مُؤَجَّلاَ وَتَخْتَلِفْ *** أجُنَاسُهُ فَما تَفَاضُلُ أُنِفْ

‏(‏وإن يكن‏)‏ أحد العوضين ‏(‏مؤجلاً‏)‏ والآخر نقداً أي حالاً فإما أن تتحد أجناسه وسيأتي في البيت بعده‏:‏ ‏(‏و‏)‏ إما ‏(‏تختلف أجناسه‏)‏ كتعجيل ثوب من حرير في ثوب أو ثوبين فأكثر